الشبكات الاجتماعية على الانترنت: من التواصل إلى خطر العزلة الاجتماعية

الشبكات الاجتماعية على العنكبوتية نشأتها و تطورها وخدماتها

أصبحت مواقع الشبكات الاجتماعية مثل "الفايسبوك" و"التويتر" و"التيوتيوب" ظاهرة عالمية واسعة الانتشار، ساهمت في دفع العلاقات الاجتماعية من الواقع الفعلي إلى العالم الافتراضي، من خلال تسهيل عملية التواصل للمستخدمين مع بعضهم البعض لطرح وتبادل الأفكار والآراء والملفات المرئية والسمعية وبناء العلاقات الاجتماعية والمهنية، إلا أن الاستخدام المتزايد لمواقع الشبكات الاجتماعية قد يؤدي إلى نوع من العزلة الاجتماعية عن الآخرين الواقعيين في حياتهم، والذي يقود إلى تأثيرات سلبية في منظومة العلاقات الاجتماعية "الأسرة، جماعات الأصدقاء، علاقات الدراسة، علاقات الجيرة والقرابة".

طالع ايضا الشبكات الاجتماعية على العنكبوتية نشأتها و تطورها وخدماتها

تعتبر الإنترنت من أهم تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي فتحت فرصا جديدة إلى حد كبير أمام الأفراد للتفاعل وتبادل الآراء ومناقشة مختلف المواضيع الاجتماعية من خلال بناء علاقات اجتماعية افتراضية، ما فتح المجال واسعا لتجسيد مفهوم القرية الكونية الذي أشار إليه مارشال ماكلوهان، حيث تغلغل الاتصال الوسيطي عبر مواقع الشبكات الاجتماعية في كل منحى من مناحي الحياة كبديل عن الاتصال وجها لوجه، ليتحول الشخص إلى فرد افتراضي يتفاعل ضمن مجتمع افتراضي، يعتمد على التقاء مجموعة كبيرة من المستخدمين من ذوي الاهتمامات المشتركة في مواقع شبكة الإنترنت والتعبير عن آرائهم وميولهم وطموحاتهم بحرية دون قيود قد تواجههم في الواقع الفعلي، وقد غيرت مواقع الشبكات الاجتماعية من توجهات الأفراد في التعامل مع القضايا والموضوعات المختلفة، من مجرد مستهلكين سلبيين للمحتويات الإعلامية التي تخضع لسلطة الخط الافتتاحي، إلى مشاركين بقوة في طرح وتبادل الموضوعات والأفكار مع الأصدقاء والزملاء ومستخدمين آخرين لا يعرفونهم.

وقد أصبحت مواقع الشبكات الاجتماعية مثل  "الفايسبوك" و"تويتر" وتيوتيوب" ظاهرة عالمية واسعة الانتشار، ساهمت في دفع العلاقات الاجتماعية من الواقع الفعلي إلى العالم الافتراضي بفضل تقنيات الجيل الثاني من الإنترنت، من خلال تسهيل عملية التواصل للمستخدمين مع بعضهم البعض لطرح وتبادل الأفكار والآراء والملفات المرئية والسمعية وبناء العلاقات الاجتماعية والمهنية، ما أدى إلى النمو السريع لعدد المشاركين فيها، حيث استطاعت أن تجعل الأفراد يتعلقون بها بشكل كبير نظرا للخدمات الإعلامية والاتصالية المتعددة التي أتاحتها، والتي تستجيب لرغباتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، بطرق سهلة وغير مكلفة، هذا ما يجعلها تساهم في ربط العديد من العلاقات بعد إلغائها لجميع المسافات، حيث دعمت الممارسات التشاركية بين الأفراد، والتفاعلات المستمرة، فمنذ ظهور وانتشار مواقع الشبكات الاجتماعية، وهي تجذب الملايين من الشباب الذين يعتبرون تلك المواقع أحد الأنشطة اليومية المهمة في حياتهم، وبقراءة سريعة لمؤشرات وأرقام مستخدمي هذه المواقع الاجتماعية، نجد أن هناك ارتفاع لنسبة استخدامها لدى الشباب من 8% في فبراير 2005 إلى 16% في أغسطس 2006، ثم إلى 37% في نوفمبر 2008، وفي سبتمبر 2009 استخدم حوالي نصف مستخدمي شبكة الإنترنت من الشباب" 47%" مواقع الشبكات الاجتماعية، كما أن نسبة 29% من الشباب تمتلك أكثر من صفحة شخصية في موقعين من مواقع الشبكات الاجتماعية، ونسبة 13% من الشباب هي من لديها أكثر من ثلاث صفحات شخصية في مواقع الشبكات الاجتماعية.([1]) وذكر تقرير عالمي حديث أن المنطقة العربية سجلت مع نهاية الشهور الأحد عشر الأولى من عام 2012 قرابة 44 مليون مستخدم نشط للشبكة الاجتماعية على الإنترنت "شبكة الفيسبوك" الاجتماعية. وجاء في التقرير أن توزيع أعداد مستخدمي الفيسبوك في هذه الدول بحسب الجنس انقسم بين: 65 % للذكور، و35 % للإناث، ومن جهة أخرى توزع العدد بحسب الفئة العمرية على النحو التالي: حيث استحوذت الفئة العمرية "من 18 سنة إلى 24 سنة" على النسبة الأكبر بحوالي 36 % من إجمالي المستخدمين، وجاءت في المرتبة الثانية الفئة العمرية "من 25 سنة إلى 34 سنة" بنسبة 32 %، ثم الفئة العمرية "من 35 سنة إلى 44 سنة" بنسبة 11%. وقد جاءت الجزائر في المرتبة الرابعة في قائمة بلدان المنطقة العربية بحوالي 4 ملايين مستخدما من حيث تعداد مستخدمي الفيسبوك. ([2]) وهذا ما يعكس أن فئة الشباب هي أكثر الفئات استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي. كما يشير تقرير حديث إلى أن فئة الشباب تمثل الغالبية العظمى من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، ففي يونيو   2013 وصلت النسبة المئوية لإجمالي المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم من 16 إلى 34عاما إلى 77 %، كما وصلت النسبة المئوية لإجمالي مستخدمي فيس بوك الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 29 عاما في مايو 2014 إلى67%. ([3])

ورغم أن مواقع الشبكات الاجتماعية نجحت في تغيير حياة الأفراد والمجتمعات إلى الأفضل، وذلك بتجاوزها الحدود الجغرافية والثقافية والمعرفية والعرقية والطبقية والسياسية بين المجتمعات، وحتى في المجتمع الواحد نفسه، إلا أنه لا يمكن تجاهل أثر الاستخدام المتزايد لمواقع الشبكات الاجتماعية في سلوكيات المستخدمين، وفي تفاعلاتهم مع الآخرين في الواقع، حيث يمكن أن تساهم هذه المواقع في عزل الأفراد اجتماعيا وتفكيك العلاقات بينهم في المجتمع، ودفعهم إلى الانسحاب الملحوظ لهم من النشاطات الاجتماعية، محولة قوتها وحميميتها إلى فتور وبرود، فقضاء الأفراد لمعظم وقتهم في التعامل مع الإنترنت ضمن فضاء المجتمع الافتراضي قد يؤدي إلى نوع من العزلة الاجتماعية عن الآخرين الواقعيين في حياتهم، والذي يمكن أن يقود إلى تأثيرات سلبية في منظومة العلاقات الاجتماعية "الأسرة، جماعات الأصدقاء، علاقات الدراسة، علاقات الجيرة والقرابة".

الشبكات الاجتماعية فضاء جديد للتواصل 

أفرزت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وسائل إعلامية جديدة، التحم واقعها بالواقع اليومي للأفراد، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم الاجتماعية، تم تصميمها لربط الناس بعضهم ببعض في بيئة افتراضية. ففي السنوات القليلة الماضية، أكدت العديد من الدراسات والبحوث العلمية النمو الكبير لحجم وشعبية مواقع الشبكات الاجتماعية مثل موقع فيسبوك Facebook وموقع Myspace وموقع Twitter، التي سمحت للأفراد وكذا الجماعات في جميع أنحاء العالم بممارسة عملية الاتصال والمشاركة وتفاعل بعضهم مع البعض الآخر. حيث استخدمت الحركات الاجتماعية المواقع الاجتماعية للتحكم في تدفق المعلومات والأخبار وتبادلها بشكل أفضل، والتفاعل فيما بينها على نطاق أكثر انتشارا، وتنظيم أنفسها محليا أو دوليا.

وتعتبر الشبكات الاجتماعية مجموعة من المواقع على شبكة الإنترنت، ظهرت مع الجيل الثاني للويب "web2"، تتيح التواصل بين الأفراد في بنية مجتمع افتراضي، يجمع بين أفرادها اهتمام مشترك أو شبه انتماء "بلد، مدرسة، جامعة، شركة"، يتم التواصل بينهم من خلال الرسائل، أو الاطلاع على الملفات الشخصية، ومعرفة أخبارهم ومعلوماتهم التي يتيحونها للعرض، وهي وسيلة فعالة للتواصل الاجتماعي بين الأفراد، سواء كانوا أصدقاء من الواقع الاجتماعي، أو أصدقاء تم التعرف إليهم من خلال السياقات الافتراضية. ([4])

إذن فهي مساحات افتراضية في شبكة الإنترنت تسمح للمستخدمين بإنشاء صفحات شخصية للتعريف بأنفسهم، وممارسة مختلف هواياتهم واهتماماتهم، واستخدام الأدوات الاتصالية المتنوعة للتفاعل والتواصل وطرح الموضوعات والأفكار ومناقشتها مع الآخرين من ذوي الاهتمامات المشتركة، سواء كانوا من الأصدقاء الذين يعرفونهم في الواقع، أو الذين يشاركونهم الاهتمام نفسه في الواقع الافتراضي.

وقد عزز ظهور الجيل الثاني لشبكة الإنترنت وتوافر الشبكات عريضة النطاق من إمكانيات الإنترنت، حيث أصبحت وسيطا تفاعليا، يعتمد على مشاركة المستخدمين في بناء وإنتاج محتوياتها، كما يستطيع المستخدمون الدخول عليها عن طريق الحواسيب الآلية صغيرة الحجم، وأجهزة الهواتف النقالة وتكنولوجيا الاتصال الحديثة الأخرى، وبذلك أصبح الجيل الثاني للشبكة عامة ومواقع الشبكات الاجتماعية خاصة أداة مهمة لتدعيم بناء الجماعات الافتراضية وتفاعلاتها الاجتماعية، وتشجيع العمل التعاوني بين مستخدمي الإنترنت.

وهذا ما جعل من الشبكات الاجتماعية تتميز عن باقي المواقع الإلكترونية لاتسامها بالخصائص الآتية

-تعتمد مواقع الشبكات الاجتماعية على الصفحات الشخصية التي تحتوي على خانات للبيانات الشخصية للمستخدمين "السن، الإقامة..."، وتفضيلاتهم المختلفة وصورهم وملفاتهم المرئية، وتحتوي هذه الصفحات أيضا على مساحة للالتقاء والتواصل مع المستخدمين وقائمة عامة من الأصدقاء، إلا أن هذه الصفحات الشخصية تمكن المستخدمين من الظهور بالأسلوب الذي يريدونه أمام الآخرين،([5]) لذلك يسعى المستخدمون من خلالها إلى بناء صورتهم الذاتية أمام أصدقائهم وزملائهم، وتشكيل الانطباعات الشخصية عن أنفسهم عندما يدخلون في تفاعلات مع الآخرين، فمواقع الشبكات الاجتماعية إضافة إلى وظيفتها في تحقيق التواصل بين المستخدمين، فهي تحدد هويتهم الشخصية.

-تتميز مواقع الشبكات الاجتماعية بقدرتها على الحفاظ على العلاقات الاجتماعية لمستخدميها، حيث يستطيع المستخدمون البحث عن دائرة معارفهم وأصدقائهم باستخدام خاصية التصفح المتاحة في كثير من مواقع الشبكات الاجتماعية والتواصل معهم بشكل أو بآخر، فهي تقوي الروابط الاجتماعية الضعيفة للمستخدمين، بسهولة وبتكلفة مادية بسيطة، كما تسمح للمستخدمين بالتعرف على مستخدمين آخرين وتبادل الاهتمامات والمعلومات معهم، من خلال دعم طرق جديدة للاتصال بين أفراد المجتمع الافتراضي ([6])، ذلك أن مواقع الشبكات الاجتماعية إضافة إلى مجانيتها وسهولة استخدامها، فهي تساعد في تحرير المستخدمين من القيود الكثيرة لبناء روابط اجتماعية جديدة، للوصول إلى مستخدمين يشاركونهم نفس اهتماماتهم.

-تتميز مواقع الشبكات الاجتماعية بطبيعتها الديناميكية من خلال توفير مساحات للتعبير عن الرأي لتجسيد التفاعلية بين مستخدميها وخلق نوع من الحوار والتواصل المستمر بين المستخدمين وأصدقائهم. ففي موقع ماي سبيس "Myspace" يطلق على هذه المساحة اسم التعليقات" Comments"، وأصبحت من الأمور الروتينية لدى المستخدمين الكتابة في الصفحات الشخصية لأصدقائهم، وفي موقع فيس بوك "Facebook" تعرف هذه المساحة باسم الحائط" Wall".

وتتنوع الخصائص الاتصالية في مواقع الشبكات الاجتماعية، فالبعض يمتلك تقنية تبادل الملفات المرئية والصور، والبعض الآخر يوفر خاصية المراسلة الفورية "Instant Messaging" والتدوين" Blogging"، كما تمتلك بعض المواقع خصائص الرسائل والبريد الإلكتروني وخدمات الدردشة "Chat" عن طريق الصوت والصورة ومجموعات النقاش "Groups". ويشارك المستخدمون في العديد من الأنشطة الإبداعية في مواقع الشبكات الاجتماعية مثل الكتابة والتدوين وإبراز المواهب الفنية والمشاركة في مشروعات جماعية. ([7])

وفي هذا السياق نذكر أهم مواقع الشبكات الاجتماعية المتمثلة في

1- موقع فيس بوك" Facebook"  

يعد موقع فيس بوك من أكثر المواقع شعبية بين مستخدمي شبكة الإنترنت، وترجع فكرة إنشاء موقع الفيس بوك إلى صاحبه "مارك زكيربرج" "Mark Zuckerberg" الذي أطلق هذا الموقع في فبراير عام 2004، حيث قام بتصميم موقع على شبكة الإنترنت ليجمع زملاؤه في جامعة هارفارد الأمريكية، ويمكنهم من تبادل أخبارهم وصورهم وآرائهم، ويساعد على التواصل بينهم. وكان في بادئ الأمر متوافر لطلاب جامعة هارفارد، ثم فتح الباب أمام الطلاب والطالبات في الكليات والجامعات الأخرى في سبتمبر عام 2006، ولأي فرد لديه عنوان بريدي، وكشبكة اجتماعية شعبية إلى غير الطلاب، تلاه اندفاع ضخم في عدد المستخدمين، وأصبح الموقع يضم إليه أكثر من مليون مشترك شهريا، وقد نمت قاعدة مستخدمي هذا الموقع إلى 400 مليون شخص في العالم عام 2010. وقد وصف الموقع بأنه "موقع يهدف إلى المنفعة الاجتماعية فهو يساعد على التواصل مع الأشخاص من حولك." ([8]) حيث تشير إحصائيات حديثة إلى أن عدد مستخدمي موقع الفايسبوك بلغ 31. 1مليار مستخدم شهريا، و680 مليون مستخدم على الهاتف النقال، وذلك سنة 2014. ([9]) 

وفي إطار تطور خدمات فيس بوك، أطلق الموقع نسخته باللغة العربية في مارس عام 2009، وأصبح من أكثر الشبكات الاجتماعية جماهيرية خاصة مع تطور خدماته يوما بعد يوم، مما يستميل يوميا مزيدا من المشتركين، حيث كشف موقعsocialbacker.com   أن الجزائر سجلت مع بداية عام 2012 ارتفاع دخول الفايسبوك بنسبة 20.8% مقارنة بعدد السكان في الجزائر، وبنسبة 60.32% بالنظر إلى مستخدمي الإنترنت، حيث بلغ عدد مستخدمي الفيس بوك مليونين و835 ألفا، كما أشار الموقع إلى أن أكثر مستخدمي الفيسبوك كانوا من الذكور بنسبة 68%، وبالنسبة لعامل السن فقد كشف الموقع أن أكثر مستخدمي الفيس بوك كانوا من الفئة العمرية ما بين 18 و24 سنة. ([10]) وقد صرح المستشار والمدرب في مضمار الإعلام الاجتماعي ومختص في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي "خالد الأحمد" في جريدة الديار أن قاعدة مستخدمي الشبكة الاجتماعية الأكثر شعبية على الإنترنت الفيسبوك تشهد توسعا وانتشارا متزايدا بين أوساط المستخدمين في العالم العربي، وأشار في إحصائية له إلى أنه مجموع عدد مستخدمي هذه الشبكة في العالم العربي يظهر أنها باتت تضمّ قرابة 83.1 مليون مستخدم في 22 دولة عربية. وأن الجزائر سجلت حوالي 2.8 مليون مستخدم بحصة تقترب من 10% من الإجمالي. ([11])

إن الهدف الرئيسي من استخدام موقع فيس بوك هو التواصل مع المستخدمين الآخرين والتفاعل معهم، حتى وإن تضمن ذلك مجرد تبادل رسائل ليست بها معلومة حقيقية، مثل "أتمنى أن تكون بصحة جيدة"، كما أن مناقشة الموضوعات النابعة من الاهتمامات المشتركة بين المستخدمين هي من أهداف استخدامات الموقع، وقد يتم ذلك في حائط المستخدمين wall في صفحاتهم الشخصية، بحيث يترك الأصدقاء رسائلهم في العلن، وهي رسائل قد تعبر عن مشاعر أو تعكس أنشطة فردية أو مشتركة بين المستخدمين وأصدقائهم، أو بالانضمام إلى مجموعات النقاش Groups التي تعتمد على الاهتمامات المشتركة بين المستخدمين، وهي مصممة بهدف السماح لأغلبية المستخدمين بطرح ومناقشة الموضوعات المختلفة، لأنها المكان الأمثل للمشاركة بالموضوعات الاجتماعية والسياسية والأفكار والمشاعر مع المستخدمين الآخرين، وقد يبحث المستخدمون عن مجموعات نقاش حول موضوعات بعينها للانضمام إليها، أو قد ينشئوا بأنفسهم مجموعات نقاش. ([12])

وفي السنوات الأخيرة شهدت مجموعات النقاش" Groups" في موقع فيس بوك ازديادا كبيرا لأعداد المستخدمين فيها لأنها أتاحت لهم مساحة مشتركة لكي يلتقوا بآخرين متشابهين معهم، كما يتمتع الموقع أيضا بوجود ما يسمى بتغذية الأخبار News Feed، وهي خاصية في الموقع تتيح للمستخدمين التعرف على أخبار أصدقائهم من المستخدمين عند حدوث أي تغيير في صفحاتهم الشخصية أو شبكة علاقاتهم الاجتماعية، والأحداث الجديدة في مجموعات النقاش المشتركين فيها. ([13])

ويحظى موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بارتكازه على فكرة التشبيك الاجتماعي سواء تشبيك الأشخاص أو المواقع، فخاصية Facebook Connect تسمح للمستخدم بكتابة أي تعليق على أي موقع دون الحاجة للتسجيل فيه، حيث تنتقل المعلومات الخاصة بالمستخدم تلقائيا إلى ذلك الموقع. ([14])

2- موقع تويتر" Twitter":

ظهر موقع التواصل الاجتماعي تويتر" Twitter" في أوائل عام 2006 كمشروع بحثي أجرته شركة Obvious الأمريكية في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، وبعد ذلك أطلقته الشركة رسميا للمستخدمين بشكل عام في أكتوبر 2006، وبعد ذلك بدأ الموقع في الانتشار كخدمة جديدة على الساحة في عام 2007 من حيث تقديم التدوينات المصغرة، وفي أفريل 2008 قامت شركة Obvious بفصل الخدمة عن الشركة، وتكوين شركة جديدة باسم Twitter، ومع ازدياد أعداد من يستخدمه لتدوين أحداثهم اليومية، فقد قرر محرك جوجل للبحث أن يظهر ضمن نتائجه تدوينات التويتر كمصدر للبحث اعتبارا من 2009.

ويعتبر البعض موقع تويتر حالة وسط بين برامج البريد الإلكتروني "الإيميل" والمدونات، فهو أحد المواقع الإلكترونية التي تقدم خدمات مجانية للتواصل الاجتماعي والتدوين المصغر، الذي يسمح للمستخدمين بإرسال أهم اللحظات في حياتهم في شكل تدوينات نصية لا تزيد على 140 حرفا. وقد أوجد موقع تويتر الاجتماعي بيئة افتراضية متميزة، يشارك فيها الملايين، ليتحدثوا ويتابعوا أخبار بعضهم البعض، حيث تشير الإحصائيات التي نشرها موقع تويتر في ذكرى تأسيسه الخامسة إلى أن عدد المشتركين في الشبكة يزيد على 100 مليون مستخدم، وقد حظي موقع التويتر حاليا بجماهيرية عالية والتي تميل الشخصيات المهمة إلى استخدامها حتى تكون أقرب إلى الجماهير، وتتعرف على مدى اهتمام الجماهير بنشاطاتهم، وذلك من خلال كسب أكبر عدد من المتابعين، حيث أصبح لكثير من الشخصيات حساب خاص بها على موقع التويتر، تستعمله كمنصة جديدة لأغراض الاتصال والدعاية، ونشر القرارات والأحداث المهمة، ومعلومات عن تنقلاتهم ولقاءاتهم في الصحافة والإعلام ومهامهم الرسمية، وأحيانا أخبار وطرائف متنوعة.

وقد كشفت شركة تويتر" Twitter" عن نتائجها للربع الأول من عام 2015، تبين أن متوسط عدد مستخدمي "تويتر" النشطين شهريا بلغ حوالي 302 مليون مستخدم على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، بزيادة قدرها 16% مقارنة بالربع الأخير من عام 2014،  والذي بلغ عدد المستخدمين النشطين فيه 288 مليون مستخدم، مع العلم أن 80% من مستخدمي الشبكة النشطين شهريا يستخدمون تويتر عبر الأجهزة المحمولة ([17]).

3- موقع يوتيوب" You Tube

يعتبر موقع "يوتيوب" من أهم مواقع التواصل الاجتماعي، لدوره في نشر الفيديوهات وتبادلها مع المستخدمين الآخرين، واستقبال التعليقات عليها ونشرها بشكل واسع، وكذا إنشاء قنوات تحتوي على بياناتهم الشخصية ومقاطع الفيديو التي يضعونها، وقد تأسس هذا الموقع في فبراير 2005 في مدينة سان برونو بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، بواسطة ثلاثة موظفين هم الأمريكي "تشاد هيرلي "والتايواني "تشين" والبنغالي "جاود كريم" الذين يعملون في شركة pay pal المتخصصة في التجارة الإلكترونية.

وتقوم فكرة الموقع على إمكانية إرفاق أية ملفات تتكون من مقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت دون أي تكلفة مالية، فبمجرد أن يقوم المستخدم بالتسجيل في الموقع يتمكن من إرفاق أي عدد من هذه الملفات ليراها ملايين الأشخاص حول العالم، كما يتمكن المشاهدون من إدارة حوار جماعي حول مقطع الفيديو من خلال إعطائه قيمة نسبية مكونة من خمس درجات للتعبير عن مدى أهمية ملف الفيديو من وجهة نظر مستخدمي الموقع، حيث يعد موقع يوتيوب أول موقع متخصص فقط في تحميل ومشاركة الفيديو الشخصي، إذ يشارك أكثر من 3 مليارات فيديو على يوتيوب يوميا، ووصل عدد القراءات إلى 700 مليار في 2010، وكذلك تحميل وعرض فيديوهات وسائل الإعلام، ويأتي موقع يوتيوب في المركز الثالث ضمن قائمة المواقع الأكثر قبولا على شبكة الإنترنت. ورغم أنه لا توجد رقابة على ما يبث أو يرفق على اليوتيوب من مقاطع قد لا تتفق والثقافات والقيم الخاصة بكل الشعوب، إلا أن الموقع لا يسمح بنشر الأفلام الإباحية، والأفلام التي تقوم بنشر مواد سياسية محظورة، أو تسيء لشخصيات معينة، والأفلام التي تحتوي على العنف، لما لها من تأثيرات سلبية على سلوكيات المستخدمين.

كما كشف التقرير السنوي لشركة ديجيتال ميديا ساينس المتخصصة في بحوث الإعلام الرقمي والذكاء الصناعي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من خلال بحث أجري على موقع يوتيوب في عام 2014، أن هناك حوالي 258 مليون مشاهدة يومية على يوتيوب في منطقة الشرق الأوسط. ([20])

وقد استطاع موقع اليوتيوب أن يوجد شعبية له منذ انطلاقته بين مستخدمي الإنترنت، حيث بات لديه أكثر من مليار مستخدم نشط كل شهر عام 2015. ([21])

ويعمل موقع يوتيوب وفق ما يأتي

-تصنيف مقاطع الفيديو إلى أبواب مختلفة من الكوميديا والفن والرسوم المتحركة، والعلوم والتكنولوجيا.

-يحتوي الموقع على المقاطع للأحداث الحاصلة على أعلى تقييم، والتي تحظى بأكبر قدر من النقاش والأكثر تفضيلا والأكثر اتصالا بمواقع أخرى.

-يتم دمج مقاطع الفيديو الخاصة بموقع اليوتيوب مع مواقع الشبكة التي تستخدم تقنيات حديثة وأيضا جعل مقاطع الفيديو عامة أو خاصة.

-العثور على جماعات فيديو والالتحاق بها وتسهيل الاتصال مع من لديهم الاهتمامات نفسها، والاشتراك في خدمة تبادل مقاطع الفيديو المقصورة على الأعضاء، وحفظ المقاطع المفضلة ووضع قوائم تشغيل المقاطع.

4- موقع لينكد إن Linked In

هي شبكة اجتماعية للمحترفين في مجالات مختلفة، يتشاركون مجموعة من الاهتمامات، بحيث تمكنهم من إنشاء علاقات في مجال عملي معين، لتطوير مهاراتهم المهنية وتعزيزها، من خلال وضع ملف شخصي يضم معلومات مهنية شخصية، يسمى دليل المستخدم، ويسمح الموقع بتشكيل فريق من المهنيين والدخول في نقاشات حول الوظائف، كما يمكن أصحاب العمل من وضع قائمة وظائف البحث عن مرشحين محتملين.

واعتبارا من مارس 2012، أصبح لينكد إن يقدم أكبر شبكة اجتماعية مهنية في العالم على الإنترنت من خلال 161 مليون عضو في أكثر من 200 بلدا ومنطقة، يعيش 61% منهم خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وقام أعضاء لينكد إن بنحو 2.4 مليار عملية بحث موجهة مهنيا على المنصة خلال2011. ويعتبر الطلاب وخريجو الجامعة الجدد أسرع الفئات نموا في لينكد إن.

كما أكدت دراسة إقليمية حديثة تفوق موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك "Facebook" على موقع التواصل المهني لينكد إن "LinkedIn" في عدد المستخدمين، في مصر والخليج العربي. وأشارت الدراسة، التي أنجزتها شركة "جلال وكراوي للاستشارات" بالتعاون مع شركة "أورينت بلانيت" "Orient Planet" ممثل شبكة "يوروكوم ورلد وايد" في منطقة الشرق الأوسط، إلى أنّ إجمالي عدد مستخدمي " لينكد إن" بلغ 7.2 مليون، مقابل 4.21 مليون مستخدم لموقع "فايسبوك" في الدول التي شملها البحث، وهي مصر والكويت وقطر والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وفي العالم العربي يستخدم ما يزيد على 4 ملايين شخص شبكة لينكد إن". ([24])

ورغم تفوق مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى عن موقع لينكد إن من حيث الاستخدام في العالم العربي، إلا أنه يعرف تزايدا في عدد المستخدمين خاصة بعد أن أعلنت منصة لينكد إن عن إطلاق خدماتها باللغة العربية، "إذ يشير تقرير الإعلام الاجتماعي العربي ارتفاع معدلات استخدام لينكدن في المنطقة العربية "البحرين، مصر، الأردن، الكويت، لبنان، عمان، المغرب والجزائر" من3.5مليون في 2 فيفيري 2012 إلى ما يقارب 5.4 مليون في 26 جوان 2012. ويتفاوت انتشار "لينكد إن" بين هذه الدول، حيث يمثل في الجزائر 9.0 كنسبة من عدد السكان في جوان 2012، حيث يطغى مستخدمو "لينكد إن" الشباب في الجزائر، وتمثل فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25-34 عاما ثلثي هؤلاء الشباب، وأغلبهم من الذكور. كما يأتي موقع لينكد إن بعد الفايسبوك من حيث الانتشار في الجزائر بفارق كبير يليهما التويتر، ما يشير إلى أن البحث عن عمل وخدمات التواصل المهنية التي يقدمها لينكدن مرغوبة أكثر من الاستخدامات الإعلامية والاجتماعية والسياسية للإعلام الاجتماعي التي يقدمها تويتر" ([25]).

ومنذ أيار/مايو 2013 حتى أيار/مايو 2014، ارتفع عدد مستخدمي موقع "لينكد إن" "LinkedIn" للتواصل بين المهنيين بنسبة 79%... حيث يمثل البحث عن وظيفة مناسبة وتحديد المسار المهني أحد أبرز شواغل الشباب في بداية حياتهم العملية، وربما كان هذا هو السبب في أن أغلب مستخدمي موقع "لينكد إن "للتواصل بين المهنيين ينتمون إلى الشباب "68%" الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، وهي تقارب نسبتهم على الفيسبوك. ويبلغ عدد مستخدمي "لينكد إن" حوالي 8.5مليون مستخدم. ويمثل الشبان 45% من المستخدمين في كل من قطر والكويت وهي أعلى نسبة على مستوى العالم العربي في حين تقل النسبة في المغرب إلى 16%، كما تقل نسبة التوازن بين الجنسين على موقع لينكد إن عن المتوسط العالمي، إذ تمثل الإناث 29% من مستخدمي لينكد إن في العالم العربي بالمقارنة مع 44% على المستوى العالمي، وبقي لبنان صاحب أفضل توازن بين الجنسين في العالم العربي "44% للإناث" يليه تونس والمغرب والجزائر ([26]).

كما أظهر تقرير نشره موقع "كوم سكور" "ComScore" كان ثلثا زوار شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة بالأعمال "لينكد إن" ممن تزيد أعمارهم عن الـ 35 عاما، هذا وتفوق "فيسبوك" على غيره عندما يزيد عمر المستخدم عن الـ 44 عاما. ([27])

5-موقع ماي سبيس"My Space"

يعد موقع ماي سبيس" My Space" من أهم المواقع الاجتماعية، الذي يعمل على إبقاء التواصل بين المستخدمين من ذوي الاهتمامات والأنشطة المشتركة، كما يساهم الموقع في خلق نوع من الحوار والتواصل المستمر بين المستخدمين وأصدقائهم، من خلال كتابة التعليقات" Comments" في الصفحات الشخصية لهم.

ويقدم ماي سبيس كأكبر موقع للتشبيك الاجتماعي للأصدقاء، أركان خاصة لتقديم لمحات عن حياتهم الشخصية ومدوناتهم ومجموعاتهم وصورهم وموسيقاهم، وتحميل صور ومقاطع الفيديو، ويمكن استقبال خدمات الموقع على الهاتف المحمول، كما يحتوي الموقع على آلية بحث خاصة ونظام بريد إلكتروني داخلي.  ([28])

أشارت دراسة عملية إلى أن موقع التواصل الاجتماعي ماي سبيس الذي تأسس عام 2003 بلغ ذروة نجاحه في 2008 عندما بلغ عدد المستخدمين الذين يزورونه شهريا إلى 9.75 مليون مستخدم، وبحلول 2011 تراجع الموقع من حيث الانتشار، وكانت شركة نيوز كورب الإعلامية قد اشترته أثناء مرحلة النمو السريع عام 2005 مقابل 580 مليون دولار ثم باعته بعد ذلك بست سنوات مقابل 35 مليون دولار فقط. ([29]) ويرجع ذلك إلى استقطاب موقع فيسبوك للمستخدمين بشكل كبير جدا، وتفوقه بشكل واضح على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، والتي من بينها موقع ماي سبيس.

حيث كان ماي سبيس واحدا من أكثر المواقع الاجتماعية شعبية على الإنترنت، واحتل صدارة المواقع الأكثر شعبية في الولايات المتحدة في جوان 2006 وحتى عام 2008، وكان يقدر عدد مستخدمي ماي سبيس بأكثر من 100 مليون مستخدم معظمهم من أمريكا وأوروبا ([30]).

وقد أشارت إحصائية صادرة عن إحدى مؤسسات الأبحاث التسويقية، عن وصول أعداد مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي "Myspace" النشطين إلى 50.6 مليون مستخدم عالميا، بنهاية شهر فبراير 2015.ويقدم موقع ماي سبيس خدمات الشبكات الاجتماعية على شبكة الإنترنت بطريقة تفاعلية بين الأصدقاء المسجلين في الخدمة، بالإضافة إلى خدمات أخرى كالمدونات ونشر الصور والموسيقى ومقاطع الفيديو والمجموعات البريدية وملفات المواصفات الشخصية للأعضاء المسجلين. كما أشارت الدراسة إلى أن عدد زوار الشبكة الاجتماعية شهريا يقدر بـ 32.2 مليون مستخدم، وحقق الموقع إيرادات قدرها 119 مليون دولار خلال عام 2014. وأكدت الدراسة على أن عدد مشاهدات الفيديو على الشبكة شهريا بلغت 300 مليون مشاهدة. ([31])

6-موقع فليكر" Flickr

يعتبر موقع فليكر" Flickr" من أهم المواقع الاجتماعية، الذي يسمح بتبادل الصور الشخصية بين الأصدقاء، ومن طرف الهواة الذين يرغبون في نقل الصور التي قاموا بالتقاطها، وكذا تنظيمها في مجموعات شخصية أو عامة تشترك في صفات معينة، مما يجعله المخزن الأول للصور في شبكة الإنترنت وفق وصف العديد من المواقع التقنية، كما يسمح الموقع أيضا بتبادل مقاطع الفيديو على الإنترنت.

ويوفر موقع فليكر" Flickr" خدمة حفظ الصور للزائرين بشكل عام، إذ بإمكان أي متصفح للموقع مشاهدة هذه الصور، كما يمكن لمحمل الصور أن يجعلها خاصة، فلا تتوفر إلا لصاحب الحساب أو للأشخاص المسموح لهم بمشاهدتها فقط، كما يمكن للمستخدم إذا شاء مشاركة الصور الخاصة في المجموعات العامة.  ([32])

وتجدر الإشارة إلى أن الخصائص التكنولوجية لغالبية مواقع الشبكات الاجتماعية متشابهة إلا أن الثقافات التي تنبع من هذه المواقع وأهدافها متعددة ومتنوعة. فهي إما موجهة في سياقات عمل مثل موقع لينكد إن " LinkedIn"، أو إقامة علاقات عاطفية مثل موقع فرندستر" Friendster"، أو إبقاء تواصل بين المستخدمين من ذوي الاهتمامات والأنشطة المشتركة مثل ماي سبيس " My Space".

وقد بدأت الكثير من مواقع الشبكات الاجتماعية الجديدة في الظهور منذ عام 2003، التي أخذت الغالبية منها شكل الصفحات الشخصية، مخاطبة نوعيات محددة من الجمهور، مثل المواقع المهنية التي خاطبت رجال الأعمال "Linked In, Xing, Visible path"، والمواقع التي تربط المستخدمين وجدانيا بالأشياء والاهتمامات المحببة لديهم مثل موقع دوجستر" Dogster"، وموقع كير" Care2" الذي يسهل من تواصل النشطاء مع بعضهم البعض، وموقع كوتشسيرفنج" Couchsurfing" الذي يقوم بعمل صلات اجتماعية بين محبي الرحلات حول العالم، وموقع ماي شيرش "Mychurch" لربط الكنائس المسيحية بأبنائها. كما تخاطب كثير من تلك المواقع مناطق جغرافية محددة أو جماعات تتحدث لغة بعينها، فعلى سبيل المثال بدأ موقع أوركات "Orkut" في الولايات المتحدة الأمريكية باللغة الإنجليزية، ولكنه أصبح بعد ذلك من المواقع التي يستخدمها البرازيليون الناطقون باللغة البرتغالية، وهناك مواقع صممت من أجل فئات عرقية وسياسية ودينية وهويات بعينها. 

وحسب الإحصائيات بلغ عدد المستخدمين المشتركين في موقع فليكر Flikr عام 2011 ما يقارب 51 مليون مستخدم، وهو أكبر موقع لمشاركة الصور وعرضها في الإنترنت. ([34]) كما ارتفع العدد إلى 92 مليون مستخدم عام 2013 ([35])

وقد أشارت إحصائيات حديثة إلى أن "فليكر" يستضيف أكثر من 5 مليارات صورة ويتم رفع 3500 صورة كل ثانية، وهو أحد الخدمات التابعة لشركة ياهو. ([36])

المجتمعات الافتراضية والعلاقات الاجتماعية

أحدثت تكنولوجيا الإنترنت تغييرات وتحولات هامة في مختلف المجالات، خاصة الاجتماعية منها، لأنها ظهرت وفقا للاحتياجات الأساسية للمجتمع، وتلبية لرغبات مستخدميها، مما أدى إلى ظهور مفهوم المجتمع الافتراضي كأهم المفاهيم المجتمعية الجديدة التي أفرزتها هذه التكنولوجيا، الذي استطاع أن يدمج الفرد فيه بقوة، خاصة مع تطور مواقع الشبكات الاجتماعية، ليشير بذلك إلى العلاقات الاجتماعية المتفاعلة مثله مثل المجتمع الفعلي، إلا أن هذا الأخير يختلف عنه في كون التفاعلات الاجتماعية فيه تحدث بين أفراد تجمعهم بعض الروابط المشتركة، ويجمعهم المكان والزمان، لأنه يعتمد أساسا على المشاركة الفيزيقية الحيوية.

فالجماعات الافتراضية تشتمل على شبكة من الاتصالات الشخصية، التي تتم في أجواء افتراضية في مواقع الشبكات الاجتماعية على الخصوص، بين مجموعة من الأفراد من ذوي الاهتمامات والممارسات المشتركة، بحيث أصبحت قريبة الشبه بالجماعات الحقيقية من حيث التفاعلات الاجتماعية والروابط المشتركة، التي لا تعتمد على جغرافيا المكان.

وبذلك تعتبر الجماعات الافتراضية شكلا من أشكال الحياة الاجتماعية الجديدة، التي يراها البعض في واقع الأمر نقلا دقيقا للجماعات المادية من الواقع إلى شبكة الإنترنت، على الرغم من اعتمادها بقوة على تكنولوجيا الاتصال والمسافات البعيدة بين المشاركين فيها. ([37])

وتنقسم الجماعات الافتراضية عموما إلى أربعة أنواع رئيسية تلبي كل منها احتياجات المستخدمين

-الاهتمامات: ترتكز هذه الجماعات على الأفراد من ذوي الاهتمامات والخبرات والعواطف المشتركة في مجالات واسعة.

-بناء العلاقات: يتضح العنصر الشخصي والاجتماعي في هذه النوعية من الجماعات، والتي يشكلها أفراد في حاجة إلى تبادل خبرات الحياة الخاصة مع آخرين يواجهون نفس التحديات.

-الصفقات: وفيها يتبادل المستخدمون البيانات والمعلومات بغرض تسهيل المعاملات الاقتصادية فيما بينهم.

-الخيال: تمد الجماعات الافتراضية الأفراد بفرصة مهمة لاستكشاف هوايات جديدة في عالم تخيلي، ومن ثم فإن المنافع الأساسية للجماعات الافتراضية كثيرة، تبدأ من تدعيم والحفاظ على التجمعات الموجودة أساسا في الواقع لتصل إلى تشكيل جماعات جديدة في شبكة الإنترنت بهدف الترفيه وقضاء وقت الفراغ.وقد أثر تطور الجيل الثاني للإنترنت على بنية المجتمعات المعاصرة، وأنماط الاتصال السائدة فيها، من خلال المساهمة في خلق فضاءات اجتماعية جديدة للتواصل رغم البعد الجغرافي من جهة، ومن جهة أخرى ساهمت في هدم العلاقات الاجتماعية التقليدية القائمة على التواصل الفيزيقي بين الأفراد. ومن هذا المنطلق يمكن النظر للعلاقات الافتراضية في علاقتها بالعلاقات الاجتماعية التقليدية إلى أن من شأنها تعزيزها والحفاظ عليها، كما أن الاعتماد الكبير عليها له آثارا سلبية خطيرة على العلاقات التقليدية.  

-الشبكات الاجتماعية أداة لتحقيق التواصل الاجتماعي

استطاعت مواقع الشبكات الاجتماعية أن تتيح التفاعل بين مختلف مكونات المجتمع، من خلال خصائصها المتنوعة والقادرة على تلبية الاحتياجات المختلفة للمستخدمين، "حيث يقتضي التحليل الموضوعي القول بأن العلاقات الاجتماعية على الإنترنت، أو استخدام الخدمات الإلكترونية للتواصل مع الآخرين، والتفاعل معهم حول الاهتمامات أو النشاطات المشتركة في ظل عالم افتراضي، يمكنه أن يقدم وسيلة ممتازة لمتابعة الهوايات، وتأسيس الصداقات الجديدة، وتعزيز القديمة أيضا، وممارسة الألعاب، والتشارك بالأفكار."   [39])

وقد أصبحت الشبكات الاجتماعية منبرا هاما لتبادل وجهات النظر وإجراء المناقشات الحرة في شتى المواضيع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية بين مختلف الأجناس، ما جعلها قادرة على توطيد العلاقات بين الشعوب، وتحقيق الانسجام الاجتماعي، وتوسيع المحيط الاجتماعي في المجتمعات المتميزة بقلة التفاعل بينها والنزعة الفردية، وهي بهذا تعوض البعد الاجتماعي الغائب في الواقع. كما أن التواصل من خلالها مع أشخاص مثقفين ومن بيئات مختلفة يساهم في تعميق مفهوم المشاركة والحوار مع الآخرين وتعلم أساليب التواصل الفعال، إضافة إلى التحفيز على التفكير الإبداعي وبأنماط وطرق مختلفة.

1-الحفاظ على العلاقات الاجتماعية

إن التفاعل الاجتماعي مع الأهل والأصدقاء هو من أهم الخبرات في حياة الأفراد، لأن ذلك يساعدهم على إشباع حاجتهم إلى الانتماء وشعورهم بالقرب النفسي والاجتماعي وإدراك الدعم الاجتماعي.

وتعتبر شبكة الإنترنت وسيلة هامة تعمل من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية على إبقاء التواصل بين الفرد والأفراد البيئة المحيطة به، فمن يمتلكون شبكات من العلاقات الاجتماعية الجيدة يستخدمون البريد الإلكتروني والمراسلة الفورية لتدعيم والحفاظ على تلك العلاقات، ويرى الباحثون أن التواصل من خلال شبكة الإنترنت يؤدي إلى تحسين وزيادة العلاقات الاجتماعية، وذلك بتحرير الأشخاص من المكان المتواجدين فيه إلى أفاق أوسع في فضاء الإنترنت. ([40])

وقد كشفت نتائج دراسة كوتن "Cotten" وآخرون أن طلاب الجامعة يستخدمون شبكة الإنترنت للاتصال بروابطهم الاجتماعية كالأهل والأصدقاء الذين يعيشون بعيدا عنهم، كما أن استخدام الشبكة لأغراض الاتصال يرتبط إيجابا بإدراك الشباب للدعم الاجتماعي من الأهل والأصدقاء. كما وضع كاتز" Katz" وأسبدن" Aspden" فرض الوفرة الاجتماعية" Social Augmentation" ومفاده أن التواصل عبر الشبكة يزود المستخدمين بمنفذ جديد للتفاعل الاجتماعي مع الأهل والأصدقاء، الذي يحسن من حياتهم بشكل أو بآخر. ([41]) حيث أن المجتمع الافتراضي كشبكة من العلاقات الشخصية يقدم المؤانسة والدعم والشعور بالانتماء الاجتماعي، ويحقق للأشخاص فرصة مشاركة حياتهم الخاصة مع الآخرين، خاصة أن البعد الجغرافي ضمن هذا المجتمع الرقمي الافتراضي، لم يعد يمثل عائقا أمام الحفاظ على العلاقات الاجتماعية وتقويتها، كما أن مواقع الشبكات الاجتماعية تساهم في دعم العلاقات الاجتماعية القديمة والقائمة، لأنها تجمع ذوي الاهتمامات المشتركة وتحقق لهم المنفعة الاجتماعية التي تجعلهم مرتبطين ببعضهم البعض في جميع أنحاء العالم.

2-بناء علاقات اجتماعية جديدة  

استطاعت الإنترنت من خلال قدرتها على تجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، أن تخلق حوارا وتفاعلا وتواصلا بين أفراد مختلفين في الآراء والانتماء الجغرافي والهوية الثقافية، وأن تحسن من قدرات الأفراد على تكوين علاقات اجتماعية جديدة مع مستخدمي الشبكة، التي تتطور في أحيان كثيرة إلى مقابلتهم شخصيا وإقامة علاقات دائمة معهم.

وتعتبر مواقع الشبكات الاجتماعية قاعدة أساسية لتكوين علاقات جديدة بسبب الاهتمامات المشتركة بين المستخدمين، التي تساهم في انجذاب المستخدمين لبعضهم البعض، ففي ظل التطورات التكنولوجية الهامة في مجال الإعلام والاتصال، أصبح من السهل على المستخدمين توسيع شبكاتهم الاجتماعية، وإنشاء جماعات افتراضية تربطهم علاقات مهمة ومقربة منهم، خاصة وأن استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية وممارسة الأنشطة فيها في تزايد مستمر، ما يؤدي إلى تشكيل حياة افتراضية نشطة فعالة لدى المستخدمين في شبكة الإنترنت.كما أن قدرة الشبكة على إخفاء الملامح الاجتماعية للأفراد، والتي قد تقف حائلا دون إقامة علاقات في الواقع تساعد مستخدميها في التواصل الاجتماعي، خاصة الذين يعانون من الإعاقات الجسدية والعيوب الخلقية المختلفة، وبعض سمات الشخصية السلبية كالخجل أو القلق الاجتماعي، وتجعلهم يتفاعلون بدرجة أكبر مع الآخرين في البيئة الافتراضية، دون الدخول في أي نوع من التصادمات بسبب هذه السمات التي قد تمنع في أحيان كثيرة من بناء علاقات صحية في الواقع، حيث يشير بعض الباحثين إلى أن الأشخاص الأكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم وعلى بناء علاقات اجتماعية مقربة من خلال الإنترنت أكثر مما يتيحه لهم الواقع، هم الأشخاص الذين يحسون بقلق اجتماعي من خلال تواصلهم وجها لوجه، والأشخاص الذين يشعرون بالوحدة، وهؤلاء الأشخاص بإمكانهم تطوير علاقاتهم عبر الإنترنت بسرعة كبيرة، ويمكن لهذه العلاقات أن تتحول إلى علاقات اجتماعية حقيقية يكون التفاعل فيها وجها لوجه. 

ومن هذا المنطلق وضع ميكنا" Mickenna" وبارج" Bargh" فرض التعويض الاجتماعي" Social compensation hypothesis"، الذي يرى أن الأفراد الذين ليست لديهم أي علاقات اجتماعية في الحياة، يتجهون إلى الإنترنت ليقيموا علاقات اجتماعية مع مستخدمين جدد تعوض غياب الصداقات في الواقع، ومن ثم تعطيهم الفرصة للتفاعل مع الآخرين والتعبير عن أنفسهم بشكل واضح. ([43])

ورغم دور مواقع الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت في توفير وسائل وتقنيات وظروف تسهل عملية الاتصال، متجاوزة الحدود الجغرافية والزمنية، لتجعل العلاقات الافتراضية مكملة للعلاقات التقليدية، إلا أن الانتشار الواسع للعلاقات الافتراضية وارتباط الفرد بالفضاء السيبيري، قد يجر على الفرد والمجتمع الكثير من الآثار السلبية التي يجب أخذ الحيطة والحذر منها.

الشبكات الاجتماعية خطر يهدد منظومة العلاقات الاجتماعية

أمام التزايد المستمر لاستخدام مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت أصبح الأفراد يميلون إلى قضاء وقتهم في عالم يوازي عالمهم الفيزيائي، الأمر الذي دفعهم إلى الانقطاع عن العديد من النشاطات الاجتماعية، والتقليل من العلاقات الاجتماعية التقليدية، والاستئناس أكثر بالعلاقات الافتراضية، التي تتميز بتشكيل جماعات مختلفة، لكل  واحدة منها اهتماماتها الخاصة ومميزاتها، التي تشبه إلى حد بعيد الجماعات الحقيقية في حياتنا الواقعية، بسبب ديناميكيتها من حيث تكوين عدد أعضائها وتغيره، إلا أنها قادرة بشكل غير مسبوق على تكوين الأبعاد الفيزيائية والاجتماعية للواقع الافتراضي، وتكوين الهويات الإلكترونية الافتراضية، كما يريدها ويتصورها الفرد، فهي تقوم من خلال وسيط تقني قادر على الإخفاء، وإسقاط إمكانية التفاعل المواجهي المباشر، ولذلك فهي بالنسبة له فضاء مناسب للهروب من المعضلات التي قد تواجهه في الواقع الحقيقي.

فهذه البيئة الاتصالية الجديدة غيرت من نمط التواصل في المجتمع، الذي لم يعد قائما على الحضور الفيزيائي، والقرب الجغرافي، والتوافق الزمني، والتماثل الثقافي، وهذا ما من شأنه أن يؤثر سلبا على الروابط الاجتماعية بين الأفراد، خاصة أنها تقدم المؤانسة والدعم، والشعور بالانتماء والهوية الاجتماعية.

1-العزلة الاجتماعية والانفصال عن الواقع 

يقوم استعمال الإنترنت على طابع الفردية، حيث بدلا من أن يقوم الفرد بنشاطاته اليومية كالتسوق ومشاهدة البرامج الترفيهية مع أسرته وأصدقائه، أصبح يقوم بها بمفرده على شبكة الإنترنت.

لذلك فإن ظهور وانتشار الشبكات الاجتماعية قد أفرز العديد من المشكلات الاجتماعية، فنجد "فيليب بروتون" يطلق مصطلح "الثمالة الاتصالية" "L’iverse de communication" على الاستعمال المفرط لهذه الشبكات، ويؤكد على المخاطر المحتملة والجسيمة على التفاعل الإنساني، التي تقود الأفراد إلى العزلة النفسية والاجتماعية عن محيطهم بفعل الاستخدام المفرط، كما يؤكد "دومينيك نورا" "Dominique Nora" أن هذه الوسائط الاتصالية قد رسمت مجالا علاقاتي جديد، مبني على الاتصال عن طريق الحواسيب والشبكات، عوض الالتقاء بصورة جسمانية-فيزيقية، فأصبح الأفراد افتراضيين، وكائنات حوارية كتابية، وهذا النمط الجديد من الاتصال أثر على عملية التفاعل الفردي والجماعي داخل المحيط الأسري، وداخل المحيط الاجتماعي للمجتمع الأكبر، فأصبح الفرد حبيس غرفته، يتواصل مع ملايين من أقرانه حبيسي الغرف أيضا. ([44]) ويخشى كثير من الباحثين أن تؤدي الإنترنت إلى غياب التفاعل الاجتماعي ونشوء أجيال لا تجيد التعامل إلا مع الحاسب الآلي، فدراسة كريستو فرساندريز التي نشرت في صيف 2002 حول تأثير الإنترنت على انتشار مشاعر الاكتئاب والعزلة الاجتماعية وجدت علاقة قوية بين استعمال الإنترنت ومشاعر العزلة الاجتماعية والاكتئاب بين الطلبة في المدارس الأمريكية. ([45])

فالاستخدام الكبير لمواقع الشبكات الاجتماعية يمكنه التأثير سلبيا في الروابط الاجتماعية للأفراد، إذ يؤدي ذلك إلى عزلتهم الاجتماعية، والانخفاض الملحوظ في المشاركة المجتمعية مع الأهل والأصدقاء والأقارب، حيث ترى بعض الاتجاهات البحثية أن التفاعل الافتراضي المتزايد على شبكة الإنترنت يقلل من تفاعلات الاتصال الشخصي بين الأفراد ويسبب العزلة الاجتماعية والإحباط، والقلق النفسي والتوتر. ويؤكد فرض الإحلال الاجتماعي" Social Displacement Hypothesis" على ذلك، فاتصال الأفراد وتفاعلهم الاجتماعي مع مستخدمي شبكة الإنترنت يحل محل التفاعلات الاجتماعية مع الأصدقاء والأهل في الواقع، فقد توصلت نتائج دراسة كروت "Kraut" وآخرون أن الذين استخدموا شبكة الإنترنت لمدة عام كامل قضوا وقتا أقل مع أسرهم، كما تقلصت علاقاتهم الاجتماعية، وارتفعت معدلات الوحدة والإحباط لديهم. ([46])     

كما أنه حاليا نجد الأسر في الغالب ذات نواة واحدة أي بمعنى أبوان وأطفال، حيث أصبح لكل فرد في الأسرة وسائله المنفصلة للوصول إلى مصادره الاتصالية الخاصة. ([47]) وهنا تكمن الخطورة خاصة عند الأفراد الذين يعانون من الفراغ العاطفي والوجداني، والذين يلجئون إلى التواصل من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية حيث يغيب الضبط الأسري، لتكوين علاقات اجتماعية سرية، مأمونة العواقب في ظاهرها، إلا أنها تهدد بشكل كبير حياتهم الاجتماعية، كما يؤثر ذلك على الاتصال داخل الأسرة، حين يصبح أعضاء الأسرة يتفاعلون مع الكمبيوتر بدلا من تفاعلهم مع بعضهم البعض. 
طالع أيضا تحميل برامج

حيث يشير البعض إلى أن غياب الصوت البشري في الاتصال عبر الإنترنت يقلل من درجة التفاعل، لأن للصوت البشري مهمة أساسية في نقل المشاعر والأحاسيس والانفعالات، ولذلك يطلقون على الاتصال عبر الإنترنت اسم الاتصال البارد... إضافة إلى أن استخدام الأفراد للإنترنت للتحدث مع الأصدقاء المقربين وأفراد العائلة، يعني أن هذه المحادثات سوف تحل محل الاتصال وجها لوجه تدريجيا، مما يؤدي إلى تقليل الروابط الاجتماعية بين الأفراد. ([48])

ونتيجة لقضاء المزيد من الوقت في استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية، خاصة إذا كان هناك عدم تنظيم في الاستخدام، فإن ذلك سيؤدي إلى عزل الأفراد اجتماعيا، وتفكيك العلاقات بين الأفراد في المجتمع، "وهذا ما تأكده دراسة مريم مراكشي حول استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالشعور بالوحدة النفسية لدى الطلبة الجامعيين، التي توصلت إلى أن الاستخدام المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي يؤثر بشكل كبير على مستوى الاتصال والمشاركة مع أفراد الأسرة داخل المنزل، ويقلل من مقدار التواصل الاجتماعي في المحيط الذي ينتمي له المستخدمون، ما يؤدي إلى شعورهم بالوحدة النفسية، وبالتالي فإن الانسحاب من التفاعل الاجتماعي وقلة المشاركة في الحياة الاجتماعية الواقعية جراء الاستغراق في استخدام موقع الفايسبوك، وقضاء الساعات الطوال في تصفح ما يعرض وسيطرة التفاعلات الافتراضية على حساب التفاعلات الواقعية يؤدي إلى معاناة الفرد من الوحدة النفسية. ([49])  

كما يشير بعض الباحثين إلى أن فضاء الأفراد وقتا طويلا في التواصل عبر الإنترنت بدرجة كبيرة، بما ينطوي عليه ذلك في كثير من الأحيان من حاجة إلى العزلة عن الآخرين خلال فترة الاستخدام، يؤدي إلى إشاعة حالة من العزلة الاجتماعية، وبالتالي إيجاد نوع من التفكك الاجتماعي خاصة في ظل انتشار أنماط جديدة من القيم والسلوكيات المستحدثة في المجتمع العربي كله. كما يشير المتخصصون في هذا الصدد إلى ما بات يطلق عليه انطوائية الكمبيوتر"Computer Phyliac" وتوجد هذه الحالة عندما يستمر الشخص في الجلوس أمام الحاسوب ساعات طويلة كل يوم بشكل يشبه الإدمان، وقد توجد هذه الحال لدى الأفراد الانعزاليين ذوي الشخصيات الانطوائية أو الأشخاص الذين يرغبون في الهروب من ظروفهم ومشكلاتهم الحياتية فيلجأون إلى الحاسوب ليفرغوا فيه طاقتهم وهمومهم، فضلا عن الإجهاد والتوتر النفسي الذي ينتج من استخدام الحاسوب لفترات طويلة.

2-إضعاف مهارات التواصل

تعتبر من أهم المخاطر التي يمكن أن تنجم عن استخدام الشبكات الاجتماعية، خصوصا فئة الشباب، فقضاء وقت طويل أمام شاشة الكمبيوتر في تصفح هذا الموقع يؤدي إلى عزلهم اجتماعيا، ما يغيب مشاركتهم في الفعاليات التي يقوم بها المجتمع، وبالتالي إضعاف مهارات التواصل لديهم، التي تساعدهم في مجالات الاتصال الإنساني، وتنمي لديهم الإحساس بالمسؤولية تجاه الغير، وتقوي لديهم سرعة البديهة، التي تمكنهم من التعامل مع مختلف المواقف، خاصة إذا كان استخدام الشبكات الاجتماعية يتم في التعليق على صور الأصدقاء، أو التنقل من ملف لآخر دون فائدة أو منفعة متوقعة، فتكون مجرد مضيعة للوقت، على حساب تعلم أساليب التواصل الفعال.

3-الشعور بالوحدة النفسية 

يؤدي التغير الحاصل في طريقة التواصل إلى مشكلات نفسية تضر بالفرد والمجتمع، كالشعور بالوحدة النفسية نتيجة وجود خلل في علاقات الفرد الاجتماعية بطريقة كمية أو كيفية، ومنه فإن الانغماس في تكوين العلاقات الافتراضية على حساب العلاقات الاجتماعية الحقيقية، قد يضعف الروابط الاجتماعية، ويخلق فجوة نفسية وتباعد عاطفي بينه وبين الآخرين من المحيط الاجتماعي، وفقدان التقبل والحب من جانبهم، ويترتب عن ذلك حرمانه من الانخراط مع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، والذي من خلاله يمارس دوره بشكل طبيعي، وكذا عرقلة اندماجه في الأنشطة الاجتماعية المختلفة المتيحة للتواصل والتفاعل مع الآخرين، فيكون هناك فقدان للصلة الملموسة بالواقع الفعلي، حيث أن الاستخدام المفرط لمواقع الشبكات الاجتماعية، يتحول إلى عادة جديدة تفرض نفسها في قائمة الممارسات القائمة مسبقا، وربما مقاومة الممارسات الأخرى ومنافستها. ([51])

وفي هذا الصدد يشير الباحث "إبراهيم بعزيز" إلى أن الاستخدام المتزايد لمنتديات المحادثة الإلكترونية كوسيلة للاتصال يزيد من انطواء المستخدمين بها، وانعزالهم عن المحيط الاجتماعي، وبالتالي يزيد شعورهم بالوحدة النفسية أكثر، فالمدردشون يندمجون بصفة شبه كلية في الجماعات الافتراضية، ويرتبطون بشدة بأفرادها، لدرجة تجعلهم يستغنون عن الكثير من الأنشطة والأعمال التي كانوا يقومون بها، ومع مرور الوقت يحس المدردش وكأنه لا ينتمي إلى هذا المحيط، وبأنه منعزل عن غيره.

4-الإدمان والاغتراب الاجتماعي

تتميز مواقع التواصل الاجتماعي بإغراء وجذب الشباب بشكل كبير، وهذا ما يؤدي بهم إلى الإدمان عليها، والتعلق والارتباط بها، واستخدامها لفترات طويلة، ما يؤثر سلبا على الفرد والمجتمع، من خلال هدر الطاقات وفقدان الإحساس بقيمة الوقت، خصوصا لدى الأفراد الذين يبحثون عن التسلية وملأ أوقات الفراغ، للتخلص من الإحباط والملل، وكذا الانشغال عن أمور أساسية في الحياة مثل الجلوس مع أفراد العائلة وممارسة الأنشطة الاجتماعية المختلفة، والاغتراب عن المحيط الاجتماعي، ما يفرز سلوكيات عديدة كاللامبالاة وعدم تحمل المسؤوليات والهروب من المشاكل وعدم مواجهتها."حيث تؤكد "إيريكا شرمان" "Erica Sherman" في دراسة لها حول إدمان الفايسبوك: العوامل المؤثرة على إدمان الفرد عام 2011، أن الأفراد الذين يعانون من قلة تقديرهم لذاتهم، ومن الملل والاكتئاب يلجأون للعلاقات الاجتماعية التي لا تكون وجها لوجه، ويجدون فيها راحة أكبر، وهذا ما وفره الفايسبوك، وجعلهم يدمنون عليه بدرجة عالية" ([53]). كما توصل الباحث "خالد منصر" إلى أن الاستخدام المستمر لتكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة يزيد من العزلة والانطواء ومستوى الاغتراب لدى الشباب الجامعي.

5-تهديد القيم الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية

كشفت العديد من الدراسات أن السبب الرئيسي للاستخدام السيء لمواقع التواصل الاجتماعي كالتعرف على الجنس الآخر، أو ممارسة الفاحشة، ومشاهدة المواقع الإباحية التي خلقت العديد من المشكلات في الأسرة المسلمة هو الملل والفراغ، فانعدام المساهمات المجتمعية والتضييق على الشباب، وقلة المرافق الضرورية للترفيه، جعلت الملايين من الشباب بلا هدف في الحياة سوى التسلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ([55]) وهذا ما قد يؤدي إلى انهيار العلاقات الاجتماعية نتيجة الشعور بالرفض تجاه قيم الأسرة أو المجتمع ككل، "حيث أن الفرد ينشأ في ضوء قيم اجتماعية خاصة تكون بيئة الجماعة الأولية، لكن في ضوء ما يتعرض له الفرد خلال تجواله في الإنترنت من قيم ذات تأثير ضاغط بهدف إعادة تشكيله تبعا لها بما يعرف في علم النفس بتأثير الجماعة المرجعية، مما قد يؤدي إلى محو آثار الجماعة الأولية عليه، مما يفقده الترابط مع مجتمعه المحيط به ويعرضه للعزلة والنفور ومن ثم التوتر والقلق" ([56]). وفي هذا الإطار يشير الباحث "خلاف جلول" إلى أن وسائل الاتصال والإعلام الحديثة أدت إلى تغير العادات الأسرية، وقلة الاجتماعات الأسرية للحوار والتفاهم، وطهور سلوك العنف داخل الأسرة، إضافة إلى انعزال أفراد الأسرة عن بعضهم البعض، وطهور اختلافات بين إجابات الآباء والأبناء حول الالتزام الديني لدى أفراد الأسرة" ([57]) .  

خاتمة 

لقد استطاعت تكنولوجيا الإنترنت أن تحدث تحولات عديدة وتطورات سريعة كان لها الأثر الكبير في حياة الأفراد والمجتمعات، خاصة مع ظهور الجيل الثاني من الإنترنت الذي أتاح العديد من الخدمات بفضل وسائله المتنوعة، التي تعتبر مواقع الشبكات الاجتماعية من أبرزها، وأكثرها استخداما، كالفيس بوك والتويتر ويوتيوب وماي سبيس، خصوصا وأنها تقدم خدمات متعددة تتنوع من موقع إلى آخر، ساهمت في خلق التفاعل وتبادل الاهتمامات والمشاركة في حوارات ونقاشات بين مستخدميها، لتتحول بذلك إلى بديل عن النشاطات الاتصالية التقليدية، إلا أنه رغم ما حققته من تغييرات إيجابية على عملية التواصل الإنساني عموما، من خلال المساهمة في استمرارية الاتصال الدائم والفوري مع مختلف أفراد الأسرة والأصدقاء، وتكوين علاقات اجتماعية جديدة بطريقة سهلة وسريعة تتجاوز حدود المكان والزمان، إلا أن هذه الخصائص الفريدة والمتعددة التي تميز مواقع التواصل الاجتماعي، والتي جذبت المستخدمين إليها بقوة، خاصة فئة الشباب، جعلتها الوسيلة الأكثر نجاعة في التخفيف من عبء الحياة اليومية وضغوطاتها، والقادرة على منحهم الشعور بالمتعة والتسلية والقدرة على التعبير بكل حرية، واختيار الأشخاص الذين يشاركونهم نفس الاهتمامات للتفاعل وتكوين علاقات افتراضية معهم، غالبا ما تكون علاقات وهمية غير حقيقية، تجعل الفرد ينفصل تدريجيا عن مجتمعه الحقيقي، ويحس بأنه في غنى عن الأفراد المحيطين به في الواقع.

فالاستخدام العشوائي وغير المنظم لمواقع التواصل الاجتماعي يؤثر سلبيا على منظومة العلاقات الاجتماعية، خاصة مع التزايد المستمر والكبير لعدد مستخدميها، الذين يقضون أوقاتا طويلة للتواصل في هذا الفضاء الافتراضي، الذي يمارسون من خلاله مختلف الأدوار، ما يدفعهم للاندماج بشكل كبير فيه، وبالتالي الانسحاب من المجتمع المادي، وهذا ما يؤثر سلبا على كيفية تسيير الاتصالات الاجتماعية، ويعزل الفرد عن مجتمعه الحقيقي مع مرور الوقت، حيث يتعلق ويرتبط الأفراد بشكل كبير بالعلاقات التي ينشئونها عبر مواقع الشبكات الاجتماعية، ويقضون وقتا كبيرا أمام الشاشة أكثر من الوقت الذي يخصصونه للأشخاص الواقعيين في حياتهم، والذين تجمعهم علاقات مختلفة.

ومنه أصبح من الضروري بالنسبة للمستخدم إدراك الاستخدام الأمثل، للمحافظة على التفاعل المواجهي، الذي يقي الفرد من الانسحاب الكلي من الواقع الحقيقي، الذي يشكل مخاطر كبيرة على منظومة العلاقات الاجتماعية، ويضر بمصلحة الفرد والمجتمع معا، ذلك أن هذه الطرق والتقنيات الاتصالية الجديدة التي ظهرت مع نشأة وتطور الجيل الثاني للإنترنت، أصبحت ضرورة ولا غنى عنها في تعاملاتنا اليومية، في المجتمعات الحالية، لأن الاستخدام الواعي لها بإمكانه تدعيم وتفعيل وتوسيع العلاقات الاجتماعية الحقيقية والحفاظ عليها.

طالع ايضا التعليم الإلكتروني عبر الشبكات  المفهوم والوظيفة

إرسال تعليق

0 تعليقات